Top

عالم المستقبل

إيستل ميتاير، رائدة الأعمال ومحدّدة الاتجاهات تتحدّث عن مكانة العلم والتقنية في مستقبلنا. تصوير ليلليت هوفانيسيان.


هل استعصى عليك حلّ مسألةٍ في واجبٍ منزلي في الهندسة الكهربائية مثلاً في وقت متأخر من الليل، ولم يكن بوسعك الاتصال بأستاذك الجامعي، ولم يكن أصدقاؤك معك في الفصل نفسه. لقد وقعت في ورطةٍ، فما العمل؟

أخبرت إيستل ميتاير، وهي رائدة أعمال ومحدّدة اتجاهات ومتحدثة رئيسية في برنامج الإثراء الشتوي 2017 (ويب)، الجمهور في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أن المحاضرة التي ستلقيها في 18 يناير تحمل الإجابة عن هذا السؤال.

وقالت: "لن يمرّ وقت طويل قبل أن تتحول الاتصالية الفائقة إلى واقع في عالمنا. سنصبح جميعاً متصلين فيما بيننا. فمثلاً، إن كنت بحاجة إلى أستاذ جامعي في الهندسة الكهربائية لمساعدتك على إنجاز واجبك المنزلي ليلاً، فكل ما عليك هو استخدام تطبيق في هاتفك يشبه "أوبر"، وستجد أساتذة جامعيين يمكنهم إعطاؤك درساً مدته نصف ساعة ومنحك درجة، كما يمكنك في نهاية المطاف تقييم الأستاذ الجامعي الذي اخترته وإعطاءه علامة. سيتم ذلك من مبدأ الثقة بين المستخدمين".

وأضافت: "أصبحنا نعيش في عالم يشهد تغيراً مضطرداً. وقد تشهد خلال حياتك، وربما في غضون السنوات الخمس المقبلة، تغييرات مهمة في العالم على صعيد العلوم والتقنيات".

'لكل سؤال جواب'

عملت ميتاير كمستشارة في مؤسسة "مكنزي آند كومباني" للاستشارات، حيث اكتسبت خبرة استشارية في علوم الفضاء والسلع الاستهلاكية والخدمات المالية. وبعد ذلك، أسست وتولت رئاسة مؤسسة رائدة لتدريب المدراء وكبار الموظفين والمحللين في مجال الذكاء الاستراتيجي. ثم أصبحت متحدثة عامة ومنظِمة ورشات عمل للمدراء التنفيذيين وكبار الموظفين بعد أن باعت شركتها في 2004. ومن الجدير بالذكر أيضاً أنها أستاذ مساعد في جامعة ماكغيل في كندا.

وأضافت: " تؤثر العلوم والتقنية كثيراً على حياتنا، وهي جميعها تدور حول الرؤية ومتابعة كل ما هو جديد، فالعلم قادر على الإجابة عن جميع الأسئلة".

وأشارت ميتاير إلى أن عالم المستقبل سيكون حافلاً بالتطورات في مجالات مختلفة، كتقدم الذكاء الاصطناعي، وازدياد ذكاء الحواسب الآلية والرجال الآليين، وظهور السيارات ذاتية القيادة على الطرقات، وعودة الطائرات المسيّرة لنقل كل شيء من الطرود إلى البيتزا، أو حتى للعب دور النحل والمساعدة على تلقيح أشجار الفاكهة.

وانتقلت بعد ذلك لتشرح كيف بدأت بعض المستشفيات باستخدام الروبوتات عوضاً عن الممرضات، وأنهم سيصبحون يوماً ما أمراً مألوفاً في حياتنا اليومية، بعد أن توصلت الدراسات إلى أن المرضى يفضلون الروبوتات على البشر، لأنهم ودودون دائماً ولا يتكدر مزاجهم أبداً.

وأضافت ميتاير: "ولكننا ينبغي، في ضوء هذا كله، أن نمعن النظر وأن ندرك جيداً السبيل الأفضل للتعامل مع البيانات التي جمعناها، لأنها ستكون واسعة الانتشار. لذلك يجب أن نعرف في أي شيء يمكن أن نستغل هذا الكم الهائل من البيانات، وهل سيضع هذا حداً للخصوصية؟ فالمشرعون يثيرون المخاوف بشأن الخصوصية، ولكن الشركات في معظم الأسواق باتت تعطي معلومات خاصة مقابل خدمات وراحة أكبر".
"آلاف الفرص"
وقالت ميتاير: "توفر التقنية آلاف الفرص وآلاف الطرق لإنجاز الأعمال بصورة مختلفة، ولكننا يجب أن نتمعن في التقنية وندرك إن كانت أمراً جيداً أم لا".
وضربت مثالاً عن السيارات ذاتية القيادة. يشعر كثيرون بأن هذه السيارات ستحدث ثورة في قطاع النقل، إلا أن ميتاير أشارت إلى أن تطوير هذه المركبات سيؤدي إلى زيادة أعداد الناس في الشارع، وإلى ازدحام أكبر. ولذلك، ينبغي إعادة تصميم المدن والشوارع على نحو يساعد على استيعاب السيارات ومحطات النقل.

ثمة جانب مخيف أيضاً. ينبغي أن يحدد مبرمجو السيارات ذاتية القيادة ما الذي سيحدث عندما تتعرّض المركبة إلى حادث. هل ستصطدم بحاجز مثلاً وتتسبب بوفاة الركاب الموجودين فيها؟ أم تواصل السير لتودي بحياة المارّة الذين يقطعون الشارع؟

وأضافت: "ينبغي أن نحدد إن كان الناس يحتاجون إلى هذه التطورات أو يرغبون فيها، وإن كانت مفيدة للمجتمع ومستدامة، أم أنها تلبي حاجة محددة فحسب".
تغيير الافتراضات
أشارت ميتاير إلى أن العلوم والتقنيات ما انفكّت تؤثر بشدّة على تطور القطاعات المختلفة، رغم أن التغيير يستغرق وقتاً طويلاً في قطاعات كثيرة منها.
وأضافت أن مساعدي المبيعات في المتاجر، قبل 60 أو 70 عاماً، كانوا يختارون المنتجات للعملاء من الرفوف، ولكن هذا تغير في أعقاب ظهور فكرة متاجر الخدمة الذاتية التي تشبه متاجر اليوم. وباتت الشركات تتجه أكثر فأكثر للتخلص من المخازن الفعلية، مما أدى إلى تغيير أسلوب البيع بالتجزئة.

عملة رئيسية

قالت ميتاير: "سيكتسي الوقت في المستقبل أهمية كبيرة. ولن يتوفر للجيل القادم وقت طويل لإنجاز المهام. سيقضون أوقاتهم في العمل والدراسة وممارسة الأنشطة الاجتماعية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. وينبغي للتصاميم في المستقبل أن تتسم بالبساطة لأن الوقت سيغدو عملة رئيسية".
ونصحت ميتاير طلبة جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية الحاضرين بأن يدركوا قيمة وقتهم، وأن يقضوا بعض الوقت بعيداً عن التقنية بهدف "الاستغراق في أحلام اليقظة"، أو تأمل الأشياء بهدوء والتعمن بالأفكار خارج مجالاتهم.

وأضافت: "ضعوا هواتفكم النقالة جانباً بعض الوقت، وابتعدوا عن حواسبكم الآلية. والتقوا في مركز الجامعة، واقضوا وقتاً كافياً في التحدث مع الزملاء والتفكير. وخذوا وقتاً كافياً أيضاً في الحديث مع الآخرين من مجالات أخرى. وفي نهاية المطاف، ستجدون من يشاطركم نفس الفكر والتوجه والاهتمام البحثي".

"أطلقوا العنان لمخيلتكم"

أشارت ميتاير إلى أن قضاء وقت "في الانفتاح على العالم الأوسع وفهمه" سيتمخض عن أفكار جديدة أفضل، كما أن الشركات "تبحث عن أشخاص يمكنهم مساعدتها على إدراك الحدّ الذي ستبلغه العلوم والتقنيات في المستقبل".

ونصحت الطلبة الذين يستعدون للتخرج بأن يواصلوا بناء "صندوق أدواتهم"، أي مجموعة المهارات الأساسية والثانوية التي من شأنها أن تساعدهم على إحراز النجاح في يومنا هذا.

وأضافت: "لم يعد كافياً امتلاك الخبرة في مجال واحد فقط، بل ينبغي أن تصنعوا صندوق أدوات مركب. استمروا بالتخيل، ولا تضيّعوا ذلك الخيال. تقدموا بقوة وفكروا بالخيارات المستقبلية، واصنعوا المستقبل الذي تطمحون إليه. تحلّوا بالجرأة، فأنتم موهوبون والموارد في متناول أيديكم. حاولوا تخيّل الحدّ الذي تريدون لتقنياتكم أن تبلغه، والأهداف التي تنشدون تحقيقها باستخدام هذه التقنيات".

واختتمت حديثها قائلة: "يستطيع عدد قليل من الأشخاص إحداث فارق. أطلقوا العنان لمخيلتكم وتذكروا أن كل واحد منكم قادر على إنجاز أشياء عظيمة، وإحداث تأثير كبير على العالم في المستقبل".
​ ​