Top

الطحالب- ثروة وطنية خضراء للمملكة العربية السعودية

أطلقت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست) عبر ذراعها الاستشارية- شركة المنارة للتطوير، المرحلة الأولى لمشروع صناعة التقنية الحيوية للطحالب في المملكة العربية السعودية بتدشينها منشأة الطحالب التجريبية داخل مجمع الأبحاث والتقنية في الحرم الجامعي بهدف تطوير تقنيات مستدامة لإنتاج الأعلاف الحيوانية في المملكة باستخدام الطحالب المحلية الدقيقة والكبيرة، فضلاً عن فتح مشاريع اقتصادية جديدة لصناعة الاستزراع السمكي في البلاد.

جدير بالذكر أن إنتاج الأعلاف الحيوانية هي صناعة عالمية تبلغ قيمتها مليار دولار. وهذا يعني أن استبدال جزء بسيط من واردات المملكة من الاعلاف المستوردة بأعلاف محلية سيوفر مدخرات هائلة وخطوة كبيرة نحو تحقيق الأمن الغذائي المحلي ويتوافق مع رؤية 2030 ومبادرة السعودية الخضراء.

وهذا المشروع الواعد هو نتاج تعاون بين شركة المنارة للتطوير التابعة لكاوست ووزارة البيئة والمياه والزراعة، ويشرف عليه البرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة السمكية التابع للوزارة ومقره مدينة الأبحاث والتقنية في كاوست.

ممثلون عن وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية يقومون بجولة في المنشأة التجريبية التابعة لمشروع تطوير صناعة الطحالب الحيوية في المملكة (DAB-KSA) التي افتتحت حديثًا في كاوست. المصدر: كاوست.

وقال د. كيفن كولن، نائب رئيس كاوست للابتكار بهذه المناسبة: "نحن فخورون جداً بشراكتنا مع وزارة البيئة والمياه والزراعة في هذا المشروع الواعد الذي يستهدف توطين إنتاج الطحالب وتوفير الأمن الغذائي وتحقيق مستقبل مستدام للأجيال القادمة في المملكة العربية السعودية ".

كما صرح د. علي الشيخي، الرئيس التنفيذي للبرنامج الوطني لتطوير قطاع الثروة السمكية بهذه المناسبة: "هذا المشروع هو امتداد للجهود المتضافرة التي تقوم بها الوزارة في هذا المجال والتي كانت بدايتها إعداد خارطة طريق لتطوير صناعة الطحالب بالاستعانة بعدد من الخبراء المحليين والدوليين، إضافة للشراكة مع الجهات الرئيسية الفاعلة في هذا المجال وتخصيص الموارد المالية لهذا المشروع، الذي يعد نقطة تحول حقيقية في إنتاج الطحالب في المملكة العربية السعودية".

المستقبل الأخضر

يمكن أن تكون هذه الطحالب، التي تأتي في أشكال مختلفة من الأعشاب البحرية والطحالب الدقيقة، ثروة وطنية للمملكة العربية السعودية. حيث يمكن استخدامها كمصدر للأعلاف الحيوانية، وأسمدة المحاصيل، كما أنها تدخل في منتجات وتطبيقات عالية القيمة عبر مجالات تقنية متعددة، مثل تدوير الكربون، ومعالجة النفايات، وصناعة الأدوية.

تستخدم الطحالب ضوء الشمس والنيتروجين والفوسفور وثاني أكسيد الكربون لبناء كتلتها الحيوية، ويمكنها النمو في المياه المالحة أو بيئات المياه العذبة غير الصالحة للشرب، وهي موارد مائية متوفرة في المملكة. وتمتلك المملكة أيضًا بنية تحتية قوية من الموانئ والطرق السريعة والمطارات، وآلاف الكيلومترات من ساحل البحر الأحمر المنبسط لاستيعاب مرافق صناعة الطحالب المستقبلية.

استقطبت كاوست خلال العامين الماضيين مجموعة من المواهب الرئيسية والمعدات الأولية اللازمة لتسريع مشروع انتاج الأعلاف الحيوانية ومبادرات الأمن الغذائي والاقتصاد الدائري ذات الصلة. ومن بين هذه المواهب د. كلاوديو غرونيوالد ، مدير المشروع الذي انضم لكاوست في أكتوبر 2021 قادماً من جامعة سوانسي في ويلز ، ويتمتع بخبرة واسعة في إنتاج الطحالب البحرية الدقيقة ، مع الخبرة الهندسية اللازمة لتصميم وبناء وتشغيل منشآت تربية الأحياء المائية والاستزراع السمكي على نطاق واسع في بلدان مختلفة مثل إسبانيا وتشيلي واليابان والمملكة المتحدة. يقول غرونيوالد: " تتمتع المملكة العربية السعودية بميزة تنافسية تخولها لتشغيل زراعة الطحالب الصناعية على طول ساحل البحر الأحمر بأرضها المسطحة ومصادر ثاني أكسيد الكربون وطقسها المشمس على مدار العام ومياه بحرها البكر. هذا فضلاً عن توفيرها للتقنيات الراسخة في أنظمة الترشيح والبلاستيك والمصافي، الامر الذي سيمكنها من إنتاج كتلة حيوية هائلة من الطحالب الدقيقة ويضعها في موقع الريادة في مجال صناعة الطحالب في جميع أنحاء العالم في السنوات القادمة ".

د. كلاوديو غرونيوالد، مدير المشروع وخبير الطحالب في شركة المنارة للتطوير التابعة لكاوست. المصدر: كاوست.

وتضم كاوست أيضًا مختبر التقنية الحيوية التطبيقية الوحيد للطحالب في شبه الجزيرة العربية، والذي تم تجهيزه بمجموعة من التقنيات المتخصصة التي لا مثيل لها في مختبرات أبحاث الطحالب الأخرى في جميع أنحاء العالم. ويشغله فريق التقنية الحيوية المستدامة والتركيبية (SSB) الذي تأسس في عام 2021، تحت إشراف الأستاذ المساعد في كاوست، البروفيسور كايل لويرسين، الذي يعتبر من نخبة علماء العالم في مجال البيولوجيا التركيبية الطحلبية وهندسة التمثيل الغذائي.

ويدعم فريق البروفيسور لويرسين مشروع صناعة التقنية الحيوية للطحالب في كاوست من خلال الدراسات البيولوجية للأنواع الجديدة من الطحالب بهدف بناء مكتبة حية من السلالات المحلية ذات القيمة التجارية للمملكة. حيث يقوم الفريق بقياس هذه السلالات في المفاعلات الحيوية المبرمجة ببيانات الطقس المحلية للتنبؤ بكيفية تصرفها وتحملها للظروف الخارجية في بيئات المملكة. ويندرج هذا التعاون تحت مظلة مبادرة تدوير الكربون في كاوست.

البروفيسور كايل لويرسين، الأستاذ المساعد في كاوست ومدير فريق التقنية الحيوية المستدامة والتركيبية. المصدر: كاوست.

يقول لويرسين: "يمثل مختبري جزءًا من سلسلة القيمة المتمثلة في تحديد المصادر المحلية للطحالب في المنطقة، والتي سيتم تطويرها في البنية التحتية للمنشأة التجريبية التي يبنيها د. كلاوديو. أنا متحمس جدًا للتعاون مع فريقه حتى نتمكن من تطوير تقنيات الطحالب ونكون مركزًا للتميز في صناعة الطحالب الحيوية في المملكة العربية السعودية والعالم ".

انتاج الطحالب محلياً

يعمل فريق البروفيسور كايل لويرسين على عزل سلالات مختلفة من الطحالب التي تتواجد في المياه العذبة والمياه المالحة وعمل الاختبارات اللازمة عليها وتقييم مدى تحملها لعوامل الإجهاد في مفاعلات حيوية متخصصة تحاكي الظروف البيئية الموجودة في المملكة. ثم يتم عزل السلالات التي تظهر قدرة تحمل قصوى لدرجات حرارة الصيف باستخدام الفحص المجهري والتسلسل الجينومي ثم ارسالها الى منشأة الطحالب التجريبية لتنميتها واختبار إنتاجيتها في الظروف الخارجية الحقيقية.

عالم أبحاث تابع لمنشأة الطحالب التجريبية يشرح دور المفاعلات الحيوية الضوئية والأنظمة المغلقة لزراعة الطحالب. تصوير: جولي ويست/كاوست

يتوقع غرونيوالد أن يصل الوزن الجاف للكتلة الحيوية المستهدفة من المشروع في السنة الأولى ما يقرب من 1,5 الى 2 طن، أو 1500 كيلوغرام. على أن تزداد في المرحلة الثانية (أواخر عامي 2023 و2024) ما بين 50 و100 طن، أو 50000 إلى 100000 كيلوغرام عندما تتوسع المنشأة وتصل مساحتها أربع هكتارات.

يستخدم العلماء في فريق التقنية الحيوية المستدامة والتركيبية في كاوست أنواعًا مختلفة من الطحالب لتطوير بنك متخصص من الطحالب، والذي سيكون بمثابة مورد وطني للمملكة العربية السعودية. المصدر: كاوست

يقول غرونيوالد: "إذا تمكنا من إنتاج 50 الى100 طن في عام واحد، فهذا يمثل 20٪ من إجمالي إنتاج الكتلة الحيوية من الطحالب الأوروبية. لكننا بحاجة لتضافر العديد من أصحاب المصلحة، من الجهات الحكومية إلى الشركات الخاصة والشركات الناشئة والأوساط الأكاديمية حتى نتمكن من تحقيق هذا الهدف. يجب أن يكون هذا المشروع جهداً مشتركاً ".

الاستزراع السمكي المستدام

وبمجرد أن يثبت مشروع صناعة التقنية الحيوية للطحالب جدواه في المرحلة الأولى، سينتقل إلى المرحلة الثانية، والتي تتضمن تصميم وبناء منشأة صناعية أكبر لتربية الأحياء المائية، يتم تشغيلها بالاتفاق مع برنامج تطوير الاستزراع السمكي التابع لوزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية، بقيادة د. أسعد محمد.

تعتبر سمكة الصبيطي من بين أسماك البحر الأحمر التي يتم تربيتها في مزارع سمكية تستخدم تقنية الاستزراع السمكي متعدد التغذية المتكامل التابعة لمشروع صناعة التقنية الحيوية للطحالب في المملكة. المصدر: كاوست.

يخطط برنامج تطوير الاستزراع السمكي لتكييف أنواع من أسماك البحر الأحمر المحلية مع أنشطته التي تتضمن صيد وتربية الاسماك، واستخدام بيضها لتربية أسماك أكبر في الأحواض. وسيستخدم فريق د. كلاوديو غرونيوالد في هذه المرحلة طريقة مبتكرة تسمى الاستزراع السمكي متعدد التغذية المتكامل (IMTA)، حيث يتم إزالة المخلفات الحيوية للأسماك من المياه، ثم استخراج النيتروجين والفوسفور منها واستخدامها كمنتجات ثانوية لتغذية الطحالب. يقول غرونيوالد: "الفكرة هي إطعام الأسماك بالأعلاف من الطحالب التي ننتجها، ثم إعادة استخدام مياه أحواض الاستزراع السمكي لإنتاج المزيد من الطحالب. إنه اقتصاد إيكولوجي دائري يعزز مفهوم الاستزراع السمكي المستدام".

يتمثل الهدف المستقبلي لمشروع صناعة التقنية الحيوية للطحالب في تطبيق نهج الاستزراع السمكي المستدام في العديد من المشاريع الكبيرة في المملكة مثل مشروع البحر الأحمر ونيوم.

تدوير الكربون وإعادة استخدامه

تهدف منشأة الطحالب التجريبية في كاوست أيضاً لإعادة استخدام ثاني أكسيد الكربون (CO2) وتدويره من منتج ثانوي من النفايات منخفضة القيمة الى منتج عالي القيمة، إما كمصدر نقي للأعلاف الحيوانية، أو مصدر ثانوي للأسمدة.

يمكن إعادة استخدام الكربون الذي يطلق في الغلاف الجوي من المصادر الصناعية مثل محطات الطاقة الحرارية الكهربائية ومصافي النفط ومحطات تحلية المياه كغذاء للطحالب، وبالتالي تعويض تكاليف هذه الصناعات وانبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري. ولأن نصف بنية الطحالب مكونة من الكربون، فهذا يجعلها قادرة على استخدام ثاني أكسيد الكربون للنمو مما يجعل كتلتها الحيوية مكان مناسب لجمع النفايات الكربونية وإعادة استخدامها. وهذا يتماشى مع توجهات المملكة العربية السعودية المستقبلية في مجال محايدة الكربون وتدويره والانتقال إلى اقتصاد ما بعد الكربون.

شركة أسمنت الصفوة، في المنطقة الغربية. المصدر: شركة أسمنت الصفوة.

قامت شركة تقنية الطحالب الصحراوية الدقيقة (Desert Microalgae Technology) الناشئة في كاوست، بنقل هذه الفكرة إلى مصنع أسمنت في مدينة رابغ، حيث اقترح الفريق بناء مصنع تجريبي صغير للطحالب في الموقع باستخدام مياه البحر واستخلاص ثاني أكسيد الكربون للأسمدة. ووافقت ادارة المصنع على هذا المشروع الذي توج بجائزة مسرعة الشركات الناشئة في كاوست "تقدّم" في عام 2019. جدير بالذكر، أن كلاً من غرونيوالد ولويرسين عملا كمشرفين على هذا المشروع، وأن فريق هذه الشركة الناشئة يباشر العمل الان في بناء وحدات زراعة الطحالب في رابغ.

وقع كل من باولو جويدا المؤسس المشارك لشركة تقنية الطحالب الصحراوية الدقيقة (يميناً) ، وياسر زايد ، الرئيس التنفيذي لشركة أسمنت الصفوة (في المنتصف) ، وويليام روبرتس، مدير مركز أبحاث الاحتراق النظيف في كاوست (يساراً) ، اتفاقية تخول الشركة الناشئة في كاوست لبناء مصنع تجريبي للطحالب في الموقع باستخدام مياه البحر وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من مصنع الأسمنت.

وفي هذا السياق، تقول وجدان الغامدي، طالبة الدكتوراه في برنامج هندسة وعلوم المواد في كاوست ومديرة المشاريع في شركة تقنية الطحالب الصحراوية الدقيقة: "هدفنا هو المساعدة في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون باستخدام هذه التقنية. وبالطبع نسعى أيضاً أن يكون لدينا منتجاً نسوقه، لكن تركيزنا الكلي ينصب على البيئة. ونحن محظوظون اليوم بوجود مثل هذه النخبة الفريدة من خبراء الطحالب في كاوست الذين كان لهم دور كبير في ارشادنا وتمهيد الطريق لنجاح مشروعنا بدعم قدير من وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية ".

تهيئة الكوادر الوطنية في مجال صناعة الطحالب

بمجرد انطلاق عمليات منشأة الطحالب التجريبية وتشغيلها، ستجتمع لجنة مشكلة من ممثلين عن وزارة البيئة والمياه والزراعة والأوساط الأكاديمية والصناعة كل ثلاثة أشهر لرصد وتقييم نقاط القوة والضعف في المنشأة. وسيترأس معالي المهندس منصور بن هلال المشيطي، نائب وزير البيئة والمياه والزراعة هذه اللجنة.

ومن بين الأهداف النهائية لمشروع صناعة التقنية الحيوية للطحالب في المملكة وفريق التقنية الحيوية المستدامة والتركيبية في كاوست هو تدريب الجيل القادم من تقنيي الطحالب الذين يمكنهم المساعدة في تطبيق هذه التقنية في جميع أنحاء المملكة. وستكون كاوست مركزًا رئيسياً في البلاد لتدريب مختلف الجهات المعنية من الصناعة والشركات الخاصة والحكومية والجامعات وقطاعات الزراعة وصناعة الأغذية والاستزراع السمكي.

سيساهم مختلف أصحاب المصلحة المشاركين في مشروع صناعة التقنية الحيوية للطحالب في المملكة العربية السعودية (DAB-KSA) بخبراتهم في تدريب الجيل القادم من تقنيي الطحالب في البلاد. المصدر: كاوست

تعد المساهمة في الأمن الغذائي المستدام للمملكة الركيزة الأساسية لرؤية جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية. فلطالما قامت الجامعة بجهود بحثية كبيرة ومستمرة في مجال الاستزراع السمكي وزراعة المحاصيل بهدف إيجاد حلول للقضايا الملحة المتعلقة بالأمن الغذائي في المملكة العربية السعودية والعالم.