Top

تطوير أجهزة استشعار تساعد في تقليل هدر مياه الري الزراعي

استخدام تقنية طائرات الدرونز والأقمار الاصطناعية لضبط استهلاك مياه الري في الأراضي الزراعية

نشرت في عدد 18 مايو 2020 من مجلة "Wired" الشرق الأوسط

تمتلك معظم الدول أنظمة محددة لقياس استهلاك المياه العذبة في المنازل واصدار الفواتير تبعاً لذلك، ولكن الموضوع يختلف تماماً عندما نتحدث عن الزراعة والتي هي أكبر مستهلك للمياه العذبة في العالم، حيث لا يوجد أي نظام لضبط استهلاك مياه الري، فغالبية المزارعين يعتمدون على ضخ المياه الجوفية واستخدامها حسب الرغبة، وقد تكون الفاتورة الوحيدة التي يتم دفعها هي تكلفة الوقود اللازم لتشغيل المضخات.  

ونظرًا للاستنزاف الحاصل في المياه الجوفية، والمخاوف المستقبلية المتعلقة بالأمن الغذائي، فإن هنالك ضرورة ماسة لإجاد نظام دقيق لضبط مياه الري الزراعية، وإعطاء المياه الجوفية الوقت الكافي لكي تتجدد في باطن الارض. لنأخذ على سبيل المثال احتياطيات المملكة العربية السعودية من المياه الجوفية والتي يعود تاريخها إلى العصر الجليدي الأخير، نجد انه يتم استهلاكها حالياً بشكل أسرع من قدرة الطبيعة على تجديدها. وهذا ما دفع البروفيسور ماثيو ماكابي الخبير في تقنية الاستشعار عن بعد في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، للبحث عن حلول مبتكرة لأزمة المياه العالمية من خلال تطوير نظام لقياس وتحديد كمية المياه الجوفية المستخدمة في الزراعة.

يعتقد مكابي أننا يجب أن ننظر لاستخدامنا للمياه في الزراعة على أنه شيء مثل الحساب المصرفي، يقول:" عندما لا تعلم حجم حسابك المصرفي وتستمر في الانفاق بصورة أسبوعية ولا توجد فاتورة شهرية لذلك فأنت أمام مشكلة حقيقية، وبالنظر لاستهلاكنا الغير محسوب للمياه الجوفية فإن المشكلة أعمق لأنها تضع أمننا الغذائي على المحك".

يرى مكابي أن تقنية طائرات الدرونز قد تكون المفتاح لحل هذه المشكلة، وقد توصل لهذه النتيجة خلال عمله في مختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي (Halo) في كاوست، حيث يجري أبحاثه في مجالات رسم خرائط للمناطق الزراعية وتحديد نوع المحاصيل التي يتم زراعتها وصحتها، ومعدل استهلاكها لمياه الري.

ولتحديد معالم وتضاريس المنطقة المراد مسحها، يستخدم ماكبي وفريقه تقنيات ومعدات تصوير متنوعة كالدرونز فضلاً عن الاستعانة بالأقمار الاصطناعية. يتم تجهيز طائرة الدرونز بكاميرات حرارية وأجهزة استشعار يمكنها مراقبة، على سبيل المثال، محتوى الكلوروفيل والاجهاد المائي للنبات، كما يستخدم الفريق صورًا من أقمار إصطناعية صغيرة بحجم صندوق الفاكهة تسمى (CubeSats) من صنع شركة بلانت الامريكية (Planet)، وبذلك يمتلك الفريق المقومات اللازمة لتحليل صور الأراضي الزراعية بدقة وضوح عالية تصل لثلاثة أمتار للبيكسل يومياً.

الحصول على صور للأراضي الزراعية هو مجرد البداية فقط، اذ أن العمل الحقيقي يكمن في تحليل بيانات هذه الصور وتفسيرها وهنا يأتي الدور والخبرة الحقيقية لمختبر الهيدرولوجيا والرصد الأرضي في كاوست، حيث يقوم مكابي وفريقه باستخدام التعليم الآلي والذكاء الاصطناعي لتحديد ووصف حقول زراعية محددة والخروج بنتائج مقاسة بالتيرابايت والبيتابايت، وبعض هذه البيانات تم نشرها في ورقة بحثية عام 2019 في شكل تحليل عالي الوضوح غير مسبوق لبيانات استهلاك المياه لأحد الحقول الزراعية وباستخدام صور ملتقطة من الفضاء.

جدير بالذكر أن معظم الحكومات في العالم لا تحتفظ بمثل هذه البيانات، بل أن معظم الدول لا تمتلك معلومات دقيقة عن العدد الفعلي للحقول الزراعية فيها، وبالتالي كمية المياه التي تستخدمها هذه الحقول، يقول ماكابي: " للأسف ، لا يتم الاهتمام بالمياه الجوفية بالقدر الذي نجده في سلعة مثل النفط مثلاً، خصوصاً انه توجد بدائل كثيرة للنفط ولكن لا يوجد بديل واحد للماء".

الأمن الغذائي

حدد فريق مكابي في وقت مبكر من هذه الدراسة كمية المياه المستخدمة في الزراعة لإنتاج المحاصيل في المملكة بمعدل 24 مليار متر مكعب سنوياً، وهو عدد ضخم يعادل أكثر من عشرة أضعاف ما تنتجه الدولة من مياه عذبة باستخدام تحلية المياه المكلفة اصلن.

يوضح مكابي أن جهود فريقه منصبة على رسم الخرائط وتحديد الحقول الزراعية في المملكة العربية السعودية، يقول:" نقوم بزيارة الحقول الزراعية والتعرف على نوع المحاصيل فيها، ونسجل هذه البيانات ثم نعالجها باستخدام نماذج حاسوبية للتنبؤ بكمية المياه المستخدمة. وأصبح لدينا الآن آلية متطورة لتقدير كمية المياه الجوفية المستهلكة في الزراعة لم تكن موجودة من قبل، وبدقة وضوح ليست موجودة في أي بلد أخر.

يعمل مكابي وفريقه في كاوست مع الحكومة السعودية لتقدير استهلاك المياه في العمليات الزراعية المحلية، ولكنه يأمل مستقبلاً في تطبيق نموذجه ليغطي جميع مناطق العالم مما يساهم بشكل فعلي في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، يقول: " إذا تم تحديد تسعيرة معينة على المياه في الزراعة، وتم رصد استهلاكها من الفضاء باستخدام التقنيات التي تم تطويرها في كاوست، فإن ذلك سيعزز جهود الحفاظ على الماء".

مشكلة الأمن الغذائي هي مشكلة عابرة للحدود، حتى للدول غير الزراعية مثل المملكة العربية السعودية التي تستورد حوالي 90 بالمائة من مجمل أغذيتها. لذلك، فهي معنية تماماً بحجم تهديدات موارد المياه الجوفية في الدول الأخرى خصوصاً الزراعية منها. يقول مكابي: "يجب ألا تقتصر بيانات منصة الأمن الغذائي على ما يحدث في منطقتك فحسب، بل يجب أن تشمل جميع أنحاء العالم خصوصاً الدول المصدرة للغذاء، فانت لا تمتلك القدرة على ضبط وإدارة ما لا تستطيع قياسه ".